تحذير فيتاليك بوتيرين من مشروع "World": حرية أم فخ رقمي؟
في الوقت الذي يزداد فيه الاعتماد على التكنولوجيا لتحديد هويتنا وتوجيه سلوكنا، يبرز صوت مهم من قلب عالم البلوكشين، يُحذّر من مسار يبدو في ظاهره تقدمًا تقنيًا، لكنه يخفي في جوهره ما قد يكون تهديدًا للحريات الرقمية على المدى البعيد.
ما هو مشروع World؟
مشروع World هو امتداد لمبادرة Worldcoin التي تهدف إلى إنشاء هوية رقمية عالمية لكل فرد على وجه الأرض، من خلال جهاز يُسمى Orb، يقوم بمسح قزحية العين وربطها بتعريف رقمي مشفر. المستخدم الذي يخضع لهذا الفحص البيومتري يحصل على رمز مالي رقمي يدعى WLD.
تبدو الفكرة براقة للوهلة الأولى، خاصة مع الحديث عن الشمول المالي وتمكين الأفراد، لكن التساؤلات الجوهرية بدأت تُطرح حول من يملك هذه البيانات، وكيف تُستخدم، وهل يمكن فعلاً حماية هذه الهويات من الاستغلال السياسي أو التجاري؟
تحفظات بوتيرين: الخصوصية مهددة
مؤسس إيثريوم، فيتاليك بوتيرين، عبّر عن مخاوف جدية تجاه مشروع World. يرى أن الهوية الرقمية الموحدة، حتى وإن كانت محمية بتقنيات تشفير عالية، تظل نقطة ضعف إذا أُجبرت الحكومات أو الجهات الفاعلة على كشفها أو استغلالها.
يؤمن بوتيرين أن التكنولوجيا يجب أن تُستخدم بطريقة تسمح بوجود "تعدد الهويات"، كما هو الحال في الواقع؛ فنحن نُظهر أنفسنا بشكل مختلف في العمل، البيت، الإنترنت، أو حتى في تفاعلنا مع الغرباء.
منظور فلسفي: الهوية ليست صندوقًا مغلقًا
يذهب بوتيرين أبعد من مجرد انتقاد المشروع، بل يُقدّم تصورًا جديدًا لما ينبغي أن تكون عليه الهوية الرقمية، وهو نموذج يقوم على التنوع والتعدد، ويسمح للفرد بتغيير أو إخفاء هويته حسب السياق.
ما البديل؟
البديل الذي يطرحه بوتيرين هو ما يُعرف بـ Pluralistic Identity، أي نظام هويات متعددة المصدر، غير مركزي، يعتمد على السياق. يمكن أن تكون لديك هوية لمعاملاتك المالية، وأخرى للنقاشات العامة، وثالثة للمشاركة المجتمعية، وكل واحدة منها منفصلة عن الأخرى.
بهذه الطريقة، إذا تعرضت إحدى الهويات للاختراق أو الضغط السياسي، لا تتأثر الهويات الأخرى، وتبقى لديك مساحة خاصة لحماية نفسك وأفكارك.
واقع مزعج: هل نحن مستعدون لفقدان السيطرة؟
ماذا لو أصبحت هذه الهوية الموحدة شرطًا لاستخدام الإنترنت؟ أو للوصول إلى الخدمات العامة؟ أو للسفر؟ عندها، ستتحول من مجرد "رمز دخول" إلى "سلاح رقمي" يُستخدم لتقييد من يُخالف أو يُعارض.
لهذا، يجب أن لا نندفع خلف كل مشروع جديد يحمل شعار “الابتكار”، بل أن نتوقف ونسأل: لمن تعود هذه البيانات؟ من يديرها؟ ومن يضمن ألا تُستخدم ضدنا؟
الخلاصة: الإنسان أولًا
ما بين التقدم التكنولوجي والمخاوف الفلسفية، تظل الحقيقة ثابتة: نحن نبني مستقبلًا رقميًا قد يظل معنا لعقود. وما نزرعه الآن من قيم في تصميم هذه الأنظمة، سيؤثر مباشرة في شكل مجتمعاتنا، وحرياتنا، وحتى هويتنا كأفراد.
ومثلما كانت بدايات الإنترنت حرة ومفتوحة، يجب أن نقاتل للحفاظ على هذه الروح، وأن نكون حذرين من أن تنزلق الأمور من بين أيدينا تحت غطاء "الهوية الرقمية العالمية".
شكرا أستمر
ردحذف